فصل: السنة السادسة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السادسة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر

وهي سنة ثمان وأربعين ومائتين‏.‏

فيها في صفر خلع المؤيد إبراهيم والمعتز الزبير ابنا المتوكل أنفسهما من ولاية العهد مكرهين على وفيها وقع بين أحمد بن الخصيب وبين وصيف التركي وحشة فأشار الوزير على المنتصر أن يبعد عنه وصيفًا وخوفه منه فأرسل إليه أن طاغية الروم أقبل يريد الإسلام فسر إليه فاعتذر فأحضره وقال له‏:‏ إما تخرج أو أخرج أنا فقال‏:‏ لا بل أخرج أنا‏.‏

فانتخب المنتصر معه عشرة آلاف وأنفق فيهم الأموال وساروا‏.‏

ثم بعث المنتصر إلى وصيف يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين‏.‏

وفيها حكم محمد بن عمر الخارجي بناحية الموصل ومال إليه خلق فسار لحربه إسحاق بن ثابت الفرغاني فالتقوا فقتل جماعة من الفريقين ثم أسر محمد وجماعته فقتلوا وصلبوا إلى جانب خشبة بابك الخرمي المقدم ذكره فيما مضى‏.‏

وفيها قويت شوكة يعقوب بن الليث الصفار واستولى على معظم إقليم خراسان وسار من سجستان ونزل هراة وفرق في جنده الأموال‏.‏

وفيها بويع المستعين بالخلافة بعد موت ابن عمه محمد المنتصر الآتي ذكره‏.‏

وعقد المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق والحرمين والشرطة‏.‏

وفيها حبس المستعين بالله ولدي عمه المتوكل وهما المؤيد إبراهيم والمعتز الزبير وضيق عليهما واشترى أكثر أملاكهما كرهًا وجعل لهما في السنة نحو ثلاثة وعشرين ألف دينار‏.‏

وفيها أخرج أهل حمص عاملهم فراسلهم وخادعهم حتى دخلها فقتل منهم طائفة وحمل من أعيانهم مائة إلى العراق ثم هدم سور حمص‏.‏

وفيها عقد الخليفة المستعين لأتامش على مصر والمغرب مع الوزارة وفرق المستعين في الجند ألفي ألف دينار‏.‏

وفيها غزا وصيف التركي الصائفة‏.‏

وفيها نفى المستعين عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى برقة‏.‏

وفيها مات بغا الكبير التركي المعتصمي أحد أكابر الأمراء في جمادى الأخرة من السنة فعقد المستعين لابنه موسى بن بغا على أعمال أبيه‏.‏

وكان بغا يعرف بالشرابي مات وقد جاوز التسعين سنة وباشر من الحروب ما لم يباشره غيره ولم يلبس سلاحًا ولا جرح قط فقيل له في ذلك فقال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت‏:‏ يا رسول الله ادع لي فقال‏:‏ لا بأس عليك أحسنت إلى رجل من أهل بيتي فعليك من الله واقية‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المنتصر بالله محمد ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر الهاشمي العباسي بقية نسبه تقدمت في ترجمة أبيه جعفر المتوكل في الخالية‏.‏

بويع بالخلافة يوم قتل أبيه في يوم الخميس خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين فلم تطل أيامه ومات بعد أبيه بستة أشهر في شهر ربيع الأول بالخوانيق‏.‏

قيل‏:‏ إن المنتصر هذا رأى أباه المتوكل في المنام فقال له‏:‏ ويحك يا محمد‏!‏ ظلمتني وقتلتني والله لاتمتعت في الدنيا بعدي إلا أيامًا يسيرة ومصيرك إلى النار فانتبه فزعًا وقال لأمه‏:‏ ذهبت عني الدنيا والآخرة فلم يكن بعد أيام إلا ومرض ثلاثة أيام ومات بالذبحة في حلقه‏.‏

وقيل‏:‏ سمه الفاصد وقتل الفاصد بعده‏.‏

وقيل‏:‏ سمه طبيبه وقيل غير ذلك‏.‏

وكان شهمًا شجاعًا راجح العقل واسع الاحتمال كثير المعروف‏.‏

شان سؤدده بقتل أبيه‏.‏

وبويع بالخلافة بعده ابن عمه المستعين بالله أحمد‏.‏

وكانت وفاة المنتصر هذا في يوم السبت لخمس خلون من شهر ربيع الأول وقيل‏:‏ يوم الأحد رابع ربيع الأول‏.‏

وفيها توفي الأمير طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين وهو على إمرة خراسان بها‏.‏

فعقد الخليفة المستعين بالله أحمد لابنه محمد بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان عوضه‏.‏

وفيها نفى المستعين أحمد بن الخصيب إلى إقريطش بعد أن استصفى أمواله‏.‏

وفيها فرق المستعين الأموال على الجند‏.‏

قال الصولي‏:‏ لما تولى المستعين كان في بيت المال ألف ألف دينار ففرق الجميع في الجند‏.‏

وفيها توفي أحمد بن سليمان بن الحسن أبو بكر الفقيه الحنبلي البغدادي ومولده في سنة ثلاث وخمسين ومائة وكان إمامًا فقيهًا عالمًا بارعًا كانت له حلقتان بجامع المنصور‏.‏

وفيها توفي أحمد بن صالح الحافظ أبو جعفر المصري وكان يعرف بالطبري لأن والده كان جنديًا من مدينة طبرستان ومولد أحمد هذا في سنة سبعين ومائة بمصرة وكان فقيهًا محدثًا ورد بغداد وناظر الإمام أحمد وغيره‏.‏

وفيها توفي الإمام الأستاذ أبو عثمان المازني البصري علامة زمانه في النحو والعربية واسمه بكر بن محمد وهو من مازن ربيعة كان إمامًا في النحو والفقه والآداب وله التصانيف الحسان‏.‏

وفيها توفي مهنا بن يحيى البغدادي الشيخ الإمام أبو عبد الله كان فقيها إمامًا محدثًا صحب الإمام أحمد ثلاثا وأربعين سنة ورحل معه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن صالح المصري والحسين الكرابيسي وطاهر بن عبد الله بن طاهر الأمير وعبد الجبار بن العلاء وعبد الملك بن شعيب بن الليث وعيسى بن حماد زغبة ومحمد بن حميد الرازي والمنتصر بالله محمد ومحمد بن زنبور المكي وأبو كريب محمد بن العلاء وأبو هشام الرفاعي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثمانية أذرع وثمانية أصابع ونصف‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وتسعة عشر إصبعًا‏.‏

بن عبد الله التركي على مصر وهي سنة تسع وأربعين ومائتين‏.‏

فيها في صفر شغب الجند ببغداد عند مقتل عمر بن عبيد الله الأقطع وعلي بن يحيى الأرمني أمير الغزاة وهما ببلاد الروم مجاهدان وأيضًا عند استيلاء الترك على بغداد وقتلهم المتوكل وغيره وتمكنهم من الخلفاء وأذيتهم للناس ففتح الترك والشاكرية السجون وأحرقوا الجسر وانتهبوا الدواوين ثم خرج نحو ذلك بسر من رأى فركب بغا وأتامش وقتلوا من العامة جماعة فحمل العامة عليهم فقتل من الأتراك جماعة وسب وصيف بحجر فأمر بإحراق الأسواق‏.‏

ثم قتل في ربيع الأول أتامش وكاتبه شجاع فاستوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد عوضًا عن أتامش‏.‏

وفيها عزل عن القضاء جعفر بن عبد الواحد‏.‏

وفيها كانت زلزلة هلك فيها خلق كثير تحت الردم‏.‏

وفيها توفي بكر بن خالد أبو جعفر القصير ويقال‏:‏ محمد بن بكر كان كاتب أبي يوسف القاضي وعنه أخذ العلم وكان فاضلًا عالمًا‏.‏

وفيها توفي عمر بن علي بن يحيى بن كثير الحافظ أبو حفص الصيرفي الفلاس البصري كان إمامًا محدثًا حافظًا ثقة صدوقًا سمع الكثير ورحل إلى البلاد وقدم بغداد فتلقاه أهل الحديث وفيها كان الطاعون العظيم بالعراق وهلك فيه خلائق لا تحصى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عبد بن حميد وأبو حفص الفلاس وأيوب بن محمد الوزان الرقي والحسن بن الصباح البزار وخلاد بن أسلم الصفار وسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي وعلي بن الجهم الشاعر ومحمود بن خالد السلمي وهارون بن حاتم الكوفي وهشام بن خالد بن الأزرق‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم تسعة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأحد عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من ولاية يزيد بن عبد الله التركي على مصر وهي سنة خمسين ومائتين‏.‏

فيها في شهر رمضان خرج الحسن بن زيد بن محمد الحسيني بمدينة طبرستان واستولى عليها وجبى الخراج وامتد سلطانه إلى الري وهمذان والتجأ إليه كل من كان يريد الفتنة والنهب فانتدب ابن طاهر لحربه فانهزم بين يديه مرتين فبعث الخليفة المستعين بالله جيشًا إلى همذان وفيها عقد الخليفة المستعين بالله لابنه العباس على العراق والحرمين‏.‏

وفيها نفي جعفر بن عبد الواحد إلى البصرة لأنه عزل من القضاء وبعث إلى الشاكرية فأفسدهم‏.‏

وفيها وثب أهل حمص بعاملها الفضل بن قارن فقتلوه في شهر رجب فسار إليهم الأمير موسى بن بغا فالتقوه عند الرستن فهزمهم وافتتح حمص وقتل فيها مقتلة عظيمة وأحرق فيها وأسر من رؤوسها‏.‏

وفيها حج بالناس جعفر بن الفضل أمير مكة‏.‏

وفيها توفي الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف القاضي أبو عمرو المصري المالكي مولى محمد بن زياد بن عبد العزيز بن مروان‏.‏

ولد سنة أربع وخمسين ومائة وكان إمامًا فقيهًا عالمًا‏.‏

كان يتفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله‏.‏

ولي قضاء مصر سنتين ثم صرف‏.‏

وكان رأى الليث بن سعد وسأله وسمع سفيان بن عيينة وأقرانه وكان ثقة مأمونًا‏.‏

وفيها توفي عبد الوهاب بن عبد الحكم الشيخ الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن الوراق صاحب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان فقيهًا محدثًا زاهدًا صالحًا ورعًا‏.‏

وفيها توفي الفضل بن مروان الوزير أبو العباس - كان إمامًا فاضلًا بارعًا رئيسًا وزر للمعتصم ولابنيه‏:‏ الواثق هارون والمتوكل جعفر‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو طاهر أحمد بن السراج وأبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي المقرىء والحارث بن مسكين أبو عمرو وعاد بن يعقوب الرواجني شيعي وأبو حاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان وعمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ وكثير بن عبيد المذحجي ونصر بن علي الجهمي ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثمانية أذرع وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

السنة التاسعة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهي سنة إحدى وخمسين ومائتين‏.‏

فيها اضطربت أمور المستعين بالله بسبب قتله باغر التركي قاتل المتوكل واضطربت أمراء الأتراك ثم وقع بين المستعين وبين الأتراك ولا زالت الأتراك بالمستعين حتى خلعوه وأخرجوا المعتز بن المتوكل من حجرة صغيرة كان محبوسًا بها هو وأخوه المؤيد إبراهيم بن المتوكل وبايعوا المعتز بالخلافة‏.‏

وكان المعتز قد انحدر إلى بغداد فلما ولي المعتز الخلافة لقي في بيت المال خمسمائة ألف دينار ففرق المعتز جميع ذلك في الأتراك وبايعوا للمعتز ومن بعده لأخيه المؤيد إبراهيم وكان ذلك في ثاني عشر المحرم من هذه السنة‏.‏

ثم جهز المعتز لقتال المستعين أخاه أبا أحمد بن المتوكل ومعه جيش كثيف في ثالث عشرين المحرم فتوجهوا إلى المستعين وقاتلوه وحصروه ببغداد أشهرًا إلى أن انحرف عنه عامل بغداد طاهر بن عبد الله بن طاهر فعند ذلك أذعن المستعين وخلع‏.‏

نفسه في أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين على ما يأتي ذكره‏.‏

وفيها خرج الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الأرقط عبد الله بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بمدينة قزوين فغلب عليها في أيام فتنة المستعين وقد كان هو وأحمد بن عيسى العلوي قد اجتمعا على قتال أهل الري وقتلا بها خلقًا كثيرا وأفسدا وعاثا وسار لقتالهما جيش من قبل الخليفة فأسر أحدهما وقتل الآخر‏.‏

وفيها خرج إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الحسني العلوي بالحجاز وهو شاب له عشرون سنة وتبعه خلق من العرب فعاث في الحرمين وأفسد موسم الحافي وقتل من الحجاج أكثر من ألف رجل واستحل المحرمات بأفاعيله الخبيثة وبقي يقطع الميرة عن الحرمين حتى هلك الحجاج وجاعوا ثم نزل الوباء فهلك في الطاعون هو وعامة أصحابه في السنة الآتية‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن منصور بن بهرام الحافظ أبو يعقوب التميمي المروزي الكوسج كان إمامًا عالمًا محدثًا فقيهًا رحالًا وهو أحد أئمة الحديث‏.‏

وفيها توفي الحسين بن الضحاك بن ياسر أبو علي الشاعر المشهور المعروف بالحسين الخليع الباهلي البصري ولد بالبصرة سنة آثنتين وستين ومائة ونشأ بها ومدح غير واحد من الخلفاء وجماعة من الوزراء وغيرهم وكان شاعرًا مجيدًا خليعا وهو من أقران أبي نواس وشعره كثير‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسحاق بن منصور الكوسج وأيوب بن الحسن النيسابوري الفقيه صاحب محمد بن الحسن وحميد بن زنجويه وعمرو بن عثمان الحمصي وأبو تقي هشام بن عبد الملك اليزني ومحمد بن سهل بن عسكر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثمانية أصابع‏.‏

السنة العاشرة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر فيها استقر خلع المستعين من الخلافة وقتل بعد الحبس على ما يأتي ذكره‏.‏

وكانت فيها بيعة المعتز بالخلافة‏.‏

وفيها ولى الخليفة المعتز الحسن بن أبي الشوارب قضاء القضاة‏.‏

وفيها خلع الخليفة المعتز على الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر خلعة الملك وقلده سيفين فأقام بغا ووصيف الأميران ببغداد على وجل من ابن طاهر ثم رضي المعتز عنهما وردهما إلى رتبتهما‏.‏

ونقل المستعين إلى قصر الحسن بن سهل بالمخرم هو وعياله ووكلوا به أميرًا وكان عنده خاتم عظيم القدر فأخذه محمد بن طاهر وبعث به إلى المعتز‏.‏

وفيها خلع الخليفة المعتز على أخيه أبي أحمد خلعة الملك وتوجه بتاج من ذهب وقلنسوة مجوهرة ووشاحين مجوهرين وقلده سيفين‏.‏

وفيها في شهر رجب خلع المعتز أخاه المؤيد إبراهيم من العهد وقيده وضربه‏.‏

وفيها حبست أرزاق الأتراك والمغاربة والشاكرية ببغداد وغيرها فجاءت في العام الواحد مائتي ألف ألف دينار وذلك عن خراج المملكة سنتين‏.‏

وفيها مات إسماعيل بن يوسف العلوي الذي كان خرج بمكة في السنة الخالية ووقع بسببه حروب وفتن‏.‏

وفيها نفى المعتز أخاه أبا أحمد إلى واسط ثم رد أيضًا إلى بغداد ثم نفى المعتز أيضًا علي بن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الهاشمي العباسي‏.‏

وفيها توفي المؤيد إبراهيم ولي العهد ابن الخليفة المتوكل على الله الهاشمي العباسي وأمه أم ولد وكان أخوه المعتز خلعه وحبسه وفي موته خلاف كبير والأقوى عندي أنه مات خنقًا‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن سعد الحافظ أبو إسحاق الجوهري كان إمامًا محدثًا دينًا صدوقًا ثبتًا طاف البلاد ولقي الشيوخ وسمع الكثير وروى عنه غير واحد وصنف المسند‏.‏

وفيها قتل الخليفة أمير المؤمنين المستعين بالله أبو العباس أحمد بن محمد ابن الخليفة المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي وأمه أم ولد رومية تسمى مخارق‏.‏

بويع بالخلافة لما مات ابن عمه محمد المنتصر في يوم سادس شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين ومائتين فأقام في الخلافة إلى أن انحدر إلى بغداد وخلع في سلخ سنة إحدى وخمسين ومائتين‏.‏

فكانت خلافته إلى يوم انحدر إلى بغداد سنتين وتسعة أشهر وإلى أن خلع من الخلافة ثلاث سنين وستة أشهر ومات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة‏.‏

ولما خلعوه أرسل إلى المعتز الأمير أحمد بن طولون التركي ليقتله فقال‏:‏ لا والله لا أقتل أولاد الخلفاء فقال له المعتز‏:‏ فأوصله إلى سعيد بن صالح الحاجب فتوجه به وسلمه إلى سعيد الحاجب فقتله سعيد الحاجب في شوال وفي قتلته أقوال كثيرة‏.‏

وكان جوادًا سمحًا يطلق الألوف وكان متواضعًا‏.‏

قال يومًا لأحمد بن يزيد المهلبي‏:‏ يا أحمد ما أظن أحدًا من بني هاشم إلا وقد طمع في الخلافة لما وليتها لبعدي عنها فقال أحمد‏:‏ يا أمير المؤمنين وما أنت ببعيد وإنما تقدم العهد لمن رأى الله أن يقدمه عليك وكان في لسان المستعين لثغة تميل إلى السين المهملة وإلى الثاء المثلثة وبويع بعده ابن عمه المعتز‏.‏

وفيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر الداري كان إمامًا محدثًا وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا كاتبه يقول في أول كتابه لأبي جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني عم الإمام أحمد بن حنبل كان إمامًا فاضلًا محدثًا ومات وله اثنتان وتسعون سنة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف والمستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم قتلًا وإسحاق بن بهلول الحافظ والأمير أشناس وزياد بن أيوب وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ومحمد بن بشار بندار في رجب وأبو موسى محمد بن المثنى العنزي الزمن في ذي القعدة ومحمد بن منصور المكي الجواز ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

ولاية مزاحم بن خاقان على مصر هو مزاحم بن خاقان بن عرطوج الأمير أبو الفوارس التركي ثم البغدادي أخو الفتح بن خاقان وزير المتوكل قتل معه‏.‏

ولي مزاحم هذا مصر بعد عزل يزيد بن عبد الله التركي عنها ولاه الخليفة المعتز بالله الزبير على صلاة مصر لثلاث خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين وسكن بالعسكر على عادة أمراء مصر فجعل على شرطته أرخوز وأخذ مزاحم في إظهار الناموس وإقماع أهل الفساد فخرج عليه جماعة كبيرة من المصريين فتشمر لقتالهم وجهز عساكره وأنفق فيهم فأول ما ابتدأ بقتال أهل الحوف من الوجه البحري فتوجه إليهم بجنوده وقاتلهم وأوقع بهم وقتل منهم وأسر ثم عاد إلى الديار المصرية فأقام بها مدة يسيرة ثم خرج أيضًا من مصر ونزل بالجيزة ثم سار إلى تروجة بالبحيرة وقاتلهم وأوقع بهم وقتل منهم مقتلة كبيرة وأسر عدة من رؤوسهم وعاد بهم إلى ديار مصر فلم تطل إقامته بها وخرج إلى الفيوم وقاتل أهلها ووقع له بها حروث كثيرة وقتل منهم أيضًا مقتلة عظيمة وأمعن في ذلك‏.‏

وكثر بعد هذه الواقعة إيقاعه بسكان النواحي‏.‏

ثم التفت إلى أرخوز وحرضه على أمور أمره بها فشدد أرخوز المذكور عند ذلك ومنع النساء من الخروج من بيوتهن والتوجه إلى الحمامات والمقابر وسجن المؤنثين والنوائح ثم منع الناس من الجهر بالبسملة في الصلاة بالجامع وكان ذلك في شهر رجب سنة ثلاث وخمسين ومائتين‏.‏

وأمر أهل الجامع بمساواة الصفوف في الصلاة ووكل بذلك رجلًا من العجم يكنى أبا داوة يقوم بالسوط من مؤخر المسجد وأمر أهل الحلق بالتحول إلى جهة القبلة قبل إقامة الصلاة ومنع المساند التي يسند إليها في الجوامع وأمر أن تصلى التراويح في شهر رمضان خمس تراويح وكانوا قبل ذلك يصفونها ستًا ومنع من التثويب في الصلاة وأمر بالأذان في يوم الجمعة في مؤخر المسجد ثم أمر بأن يغلس بصلاة الصبح ونهى أيضًا أن يشق ثوب على ميت أو يسود وجه أو يحلق شعر أو تصيح امرأة وعاقب بسبب ذلك خلقًا كثيرًا وشدد على الناس حتى أبادهم‏.‏

ولم يزل في التشدد على الناس حتى مرض ومات في ليلة الاثنين لخمس خلون من المحرم سنة أربع وخمسين ومائتين‏.‏

واستخلف بعده ابنه أحمد بن مزاحم على السنة التي حكم فيها مزاحم بن خاقان على مصر وهي سنة ثلاث وخمسين ومائتين‏.‏

فيها قصد يعقوب بن الليث الصفار هراة في جمع وقاتل أهلها حتى أخذها من نواب محمد بن طاهر ومسك من كان بها وقيدهم وحبسهم‏.‏

وفيها سار الأمير موسى بن بغا فالتقى هو وعسكر عبد العزيز ابن الأمير أبي دلف العجلي فهزمهم وساق وراءهم إلى الكرج وتحضن عنه عبد العزيز وأسرت والدة عبد العزيز المذكور ثم بعث إلى سامرا بتسعين حملًا من رؤوس القتلى‏.‏

وفي شهر رمضان خلع الخليفة المعتز بالله على بغا الشرابي وألبسه تاج الملك‏.‏

وفيها في شوال قتل وصيف التركي‏.‏

ثم في ذي القعدة كسف القمر‏.‏

وفيها غزا محمد بن معاذ بلاد الروم ودخل بالعسكر من جهة ملطية فأسر وقتل‏.‏

وفيها في ذي القعدة أيضًا التقى موسى بن بغا والكوكبي بأرض قزوين واقتتلا فانهزم الكوكبي ولحق بالديلم‏.‏

وفيها توفي سري السقطي الشيخ أبو الحسن واسمه السري بن المغلس وهو الزاهد العابد العارف بالله المشهور خال الجنيد وأستاذه كان أوحد أهل زمانه في الورع وعلوم التوحيد وهو أول من تكلم بها في بغداد وإليه ينتهي مشايخ الطريقة كان علم الأولياء في زمانه صحب معروفًا الكرخي وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبي بكر بن عياش وعلي بن غراب ويزيد بن هارون وحدث عنه أبو العباس بن مسروق والجنيد بن محمد وأبو الحسين النوري‏.‏

قال عبد الله بن شاكر عن السري قال‏:‏ صليت وقرأت وردي ليلة ومددت رجلي في المحراب فنوديت‏:‏ يا سري كذا تجالس الملوك‏!‏ فضممت رجلي وقلت‏:‏ وعزتك وجلالك لا مددتها وقيل‏:‏ إن السري رأى جارية سقط من يدها إناء فانكسر فأخذ من دكانه إناء فأعطاها إياه عوض المكسور فرآه معروف فقال‏:‏ بغض الله إليك الدنيا قال السري‏:‏ فهذا الذي أنا فيه من بركات معروف‏.‏

قال الجنيد‏:‏ سمعت السري يقول‏:‏ أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق علي فيها منة فما أجد إلى ذلك سبيلًا قال‏:‏ ودخلت عليه وهو يجود بنفسه فقلت‏:‏ أوصني قال‏:‏ لا تصحب الأشرار ولا تشغلن عن الله بمجالسة الأخيار‏.‏

وعن الجنيد يقول‏:‏ ما رأيت لله أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعًا إلا في علة الموت‏.‏

وعن الجنيد‏:‏ سمعت السري يقول‏:‏ إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرارًا مخافة أن يكون وجهي قد اسود‏.‏

قال‏:‏ وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول إذا ذكر السري‏:‏ ذاك الشيخ الذي يعرف بطيب الريح ونظافة الثوب وشدة الورع‏.‏

وفيها توفي الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أبو العباس الخزاعي كان من أجل الأمراء ولي إمرة بغداد أيام المتوكل جعفر وكان فاضلًا أديبًا شاعرًا جوادًا ممدحًا شجاعًا‏.‏

وقد تقدم ذكر أبيه وجده في هذا الكتاب ونبذة كبيرة من محاسنهم ومكارمهم‏.‏

وفيها في شوال قتل الأمير وصيف التركي المعتصمي كان أميرًا كبيرًا أصله من مماليك المعتصم بالله محمد وخدم من بعده عدة خلفاء واستولى على المعتز وحجر على الأموال لنفسه فتشغب عليه الجند فلم يلتفت لقولهم فوثبوا عليه وقتلوه بعد أمور وقعت له معهم‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن سعيد الهمداني المصري وأحمد بن سعيد الداري وأحمد بن المقدام العجلي وخشيش بن أصرم النسائي الحافظ وسري بن المغلس السقطي عن نيف وتسعين سنة وعلي بن شعيب السمسار وعلي بن مسلم الطوسي ومحمد بن عبد الله بن طاهر الأمير ومحمد بن عيسى بن رزين التيمي مقرئ الري وهارون بن سعيد الايلي والأمير وصيف التركي ويوسف بن موسى القطان وأبو العباس أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع واثنا عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا في عشرة أصابع‏.‏

ولاية أحمد بن مزاحم على مصر هو أحمد بن مزاحم بن خاقان بن عرطوج الأمير أبو العباس ابن الأمير أبي الفوارس التركي‏.‏

ولي إمرة مصر بعد موت أبيه باستخلافه على مصر فأقره الخليفة المعتز بالله على ذلك‏.‏

وكانت ولايته في خامس المحرم سنة أربع وخمسين ومائتين وسكن بالعسكر على عادة الأمراء وجعل على شرطته أرخوز المقدم ذكره في أيام أبيه مزاحم‏.‏

فلم تطل أيامه ومات بمصر لسبع خلون من شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين ومائتين المذكورة‏.‏

فكانت ولايته على إمرة مصر شهرين ويومًا واحدًا‏.‏

وتولى إمرة مصر من بعده أرخوز بن أولوغ طرخان التركي باستخلافه‏.‏

وكان أحمد هذا شابًا عارفًا مدبرًا محبًا للرعية لم تطل أيامه لتشكر أو تذم‏.‏

ولاية أرخوز على مصر هو أرخوز بن أولوغ طرخان التركي‏.‏

وأولوغ طرخان كان تركيًا وقدم بغداد فولد له أرخوز المذكور بها ونشأ أرخوز حتى صار من كبار أمراء الدولة العباسية وتوجه إلى مصر وولي بها الشرطة لعدة أمراء كما تقدم ذكره ثم ولي إمرة مصر بعد موت أحمد بن مزاحم في العشر الأول من شهر ربيع الأخر من سنة أربع وخمسين ومائتين باستخلاف أحمد بن مزاحم له على صلاتها فأقره الخليفة المعتز بالله على ذلك وجعل إليه إمرة مصر وأمرها جميعه كما كان لمزاحم وابنه‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ البغية والاغتباط فيمن ملك الفسطاط ‏"‏‏:‏ وليها باستخلاف أحمد بن مزاحم على الصلاة فقط وجعل على شرطة مصر بولغيا ثم خرج إلى الحج في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وله خمسة أشهر ونصف شهر‏.‏

وقال غيره‏:‏ ودام أرخوز على إمرة مصر إلى أن صرف عنها بالأمير أحمد بن طولون في شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين فكانت ولايته على مصر خمسة أشهر ونصفًا وخرج إلى بغداد في أول ذي القعدة من السنة ووفد على الخليفة فأكرم مقدمه وصار من جملة القواد‏.‏